Saturday, April 7, 2007

حول حوار المرشد.. بين الإثارة والتزوير

بقلم الأستاذ أحمد عز الدين

اتصل بي أحدُ الزملاء الصحفيين يوم الأحد الماضي مستغربًا مما أدلى به الأستاذ محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان- إلى صحيفة (روز اليوسف) وقال إنَّ الحوارَ سيُنشر غدًا في الصحيفة اليومية.



اتصلتُ بفضيلةِ المرشد وسألته إن كان قد أدلى بحوارٍ لجريدةِ روزا- مع علمي المسبق بأنه لا يرغبُ في الإدلاءِ بأي تصريحاتٍ أو حواراتٍ لتلك الجريدة- فنفى المرشدُ أن يكون قد تحدَّث لأحدٍ من (روزا).

في اليوم التالي صدرت (روز اليوسف) بعناوين استغرقت ربع الصفحة الأولى وحوارٍ منشورٍ على صفحتين وعناوين بارزة ومتميزة للغاية.

ولم يتورَّع الزميلُ الصحفي سعيد شعيب أن يقول في مقدمةِ الحوار إنَّ الحوارَ أُجري قبل الانتخاباتِ البرلمانية التي جرت في شهر نوفمبر من العام الماضي وأنه أجراه لصالحِ الصحيفة التي كان يعمل بها قبل الانتقال لروزا (وهي صحيفة الكرامة).

قرأتُ الحوارَ وسمعتُ الشريطَ المُسجَّل عليه الحوار، وهالني ما يُمكن أن يقع من تجاوزاتٍ فاجتهدت لأجد لزميلي مخرجًا لأقول إنها وقعت بحسن نية.. فلم أجد- فالحوار كان لصحيفة (الكرامة) ولم يكن لـ(روزا)، ولكن الزميل (باعه) بشكلٍ أو بآخرَ دون رجوعٍ للمصدرِ ولا سؤاله إن كان يرغب في الحديثِ لـ(روزا) أم لا.. ثم باعه مرةً ثانيةً للتليفزيون المصري الذي أذاعَ مقاطع مجتزأة من الحوارِ على طريقة "لا تقربوا الصلاة" في حضورِ الصحفي ورئيس تحرير (روزا) وثالثهم اتجاهاته معروفة.. وجلس الثلاثة منتشين بالسبقِ الصحفي الكبير الذي حققوه في غفلةٍ من قيمِ الصحافة وميثاق الشرفِ الصحفي.

كما أنَّ الحوارَ أُجري قبل أشهر ومن الطبيعي أن تكون قد جرت مياه كثيرة خلال تلك الفترة ومن حقِّ المصدرِ أن يعترض على نشرِ الحوار بعدها خاصةً أنَّ الظروفَ السياسيةَ قد تغيرت وبطريقةِ القص واللصق، والتقديم والتأخير جاء الحوار المنشور مختلفًا بشكلٍ كبيرٍ عن النص الموجود على الشريط..

وسأتحدث هنا عن نقاطٍ محددةٍ جرى فيها التجاوزُ والخلطُ الذي أراه في أغلبِ الظن متعمدًا- لأنَّ المواضعَ التي جرى الخلط فيها هي ذاتها التي جرى إبرازها وأخذت منها المانشيتات العريضة.

الخمورجي وبتاع النسوان:

ففي جزءٍ من الحوارِ ألمح الصحفي على فرضيةٍ عبثيةٍ كما سمَّاها المرشد وكرر أسئلة من نوعٍ ماذا لو اختار الناس شيوعيًّا أو ملحدًا ليحكمهم؟ ثم: ماذا لو اختار المصريون مسيحيًّا ليحكمهم؟ وكرر المرشدُ إشارته إلى أنَّ هذه أسئلة عابثة ولا يقولها إلا عابث يريد أن يُوجد فرقعة؛ لأنَّ الشعبَ المصرى معروفٌ بتدينه.

ثم قال المرشد: الشريعة حينما تُولي أميرًا، يعني ولي أمر، فإنه مُكلفٌ بأمورٍ شرعية لا يُقيمها إلا هو.. والنصراني ما يقدرش يقوم بها.. ليه؟ فيه دولة 90% منها مسلمون.. أنت عارف كده..

والنقطة الأخيرة مهمة جدًا لأنها تفصل بين الجملةِ السابقة والجملة التي تليها "حتى لو كان خمورجي أو بتاع نسوان في الشارع ده وتيجي تمس الإسلام في شيء يثور عليك ولا لأ؟" الكلام السابق واضح تمامًا ويعني أنَّ عامةَ المسلمين لديهم غيرة على الدين حتى لو كانوا مقصرين.. ولكن المعنى اختلف تمامًا.. فقد جرى تبديل موضع الجملة في الحوارِ في روزا، ثم جاء العنوان على النحو التالي: "أي أمير مكلف بأمور شرعية.. يطبقها ولو كان خمورجي وبتاع نسوان".

فورتينة:

الموضوع الثاني كان امتدادًا للموضوعِ الأول فقد قال المرشد: "لمَّا تيجي تقول لي نصراني ترشحه رئيس جمهورية أقول لك أهلاً وسهلاً، إنما هل هذا منطق إذا كانوا مش عارفين يدخلوا واحد في مجلس الشعب تقوم تقول لي واحد عايز يترشَّح لرئاسةِ الجمهورية".. أظن أنَّ الكلامَ السابقَ واضح جدًّا ولا أعتقد أنَّ أي عاقل يُجادل فيه وهو يُعبِّر عن الواقعِ سواء رضينا عنه أم رفضناه.

ثم يُكمل المرشد مستغربًا طرح السؤال: "ده يبقى إذن واحد عايز يعمل فورتينة كلامية" أي مَن يطرح هذا السؤال والمقصود هنا الصحفي وليس المرشح المسيحي لكن هذه الإجابة لا تعجب الصحيفة ولا الصحفي ولا تسمح بعمل عنوانٍ مُثير، ولذلك جرى التدخلُ بالحذفِ فحذفت كلمة "كلامية".. وجاء العنوان على النحو التالي: "المسيحي الذي يُرشِّح نفسه لرئاسةِ الجمهورية يريد عمل فورتينة".

المبالغة في القوة:

سأل الصحفي المرشدَ أنتم تبالغون في قوتكم؟ وكانت الإجابة من قِبل الاستغراب: "آه" ثم يأتي الكلامُ موضحًا: "حجمنا الطبيعي في البلد عارفينه كويس قوي، لسنا أغلبية، إحنا إكمننا بس منظمين الناس تفتكر إننا يعني حاجة ضخمة قوي.. لا مش حاجة جامدة".. فبأي منطقٍ وعقلٍ وتصرفٍ سليمٍ يُمكن أن يكتب أي شخصٍ العنوان التالي: "نحن نبالغ في قوتنا لكننا منظمون".

وعلى المنوالِ نفسه يأتي عنوان: "نعم موقفنا من انتخابِ مبارك كان ملتبسًا"، فقد كان السؤال على النحو التالي: "موقفكم السياسي من انتخاباتِ مبارك ملتبس"، فكانت الإجابة: "خليه ملتبس"، ثم أوضح: "ناس قالوا (إن موقفنا) لغزٌ وفيه قالوا منتهى الذكاء، وفيه قالوا مش واضح".. وفيه قالوا إنه مالوش دعوة بالسياسة".

طظ في مَن؟

حفل حوار المرشد بالاحترامِ والتقديرِ للشعبِ المصري وقال في أحدِ المواضع: "أنا في خدمةِ هذا الشعب .. مش خدمة الإخوان المسلمين بس.. أنا بأقول لك إن مهمتي خدمة الشعب".

ولكن في موضع آخر وحين سأل الصحفي عن الخلافةِ الإسلامية معتبرًا إياها احتلالاً وأنَّ الأتراكَ كانوا محتلين قال المرشد: "الخلافة كانت تحكم كلَّ العالم العربي والإسلامي.. الإسلام أمة واحدة.. ما تقوليش بقة واحد مسلم جاي يستعمرني".

هنا قال الصحفي: "أنا شخصيًّا مختلف مع سيادتك.. أنا اللي يحكمني مصري".
فكان ردُّ الأستاذ: "يا حبيبي طظ في مصر واللي في مصر".. وإذا كان هناك عتبٌ على اللفظِ- وهو في محله- فإنَّ الأمرَ لا يستحق هذه الضجة المفتعلة لأنَّ الكلمةَ جاءت في معرضِ أنَّ مصلحةَ الأمةِ الإسلامية أكبر من مصلحةِ الأقطار.. سواء كانت مصر أو غيرها.. والإسلام فوق الاعتبارات القطرية.. وإذا كان هناك بعض مَن تأثروا بالعقليةِ الاستبدادية الاستعمارية الواردة كما سمَّاها المرشد وهم يفضلون أن يحكمهم ملحد مصري على أن يحكمهم مسلم ماليزي فهؤلاء هم الذين يستحقون اللفظ السابق.. وليس الشعب المصري المسلم الذي جاهد وضحَّى كثيرًا في سبيلِ أمته.

من الواضحِ الآن أنَّ الصحافةَ المصريةَ تفقد الكثيرَ من مصداقيتها بسببِ نزوع "جيل جديد" من الصحفيين إلى "الفبركة" وعدم الدقة في النقل.. وأصبحنا نرى صحفيين يجلسون في مكتبةِ نقابة الصحفيين يُطالعون ما يُنشر في الصحفِ ثم يسرحون في الخيالِ ويصيغون التصريحاتِ وينسبونها لبعضِ السياسيين.. وقد أصبح مألوفًا أنَّ صحفيًّا في جريدة يومية يختلق كل يوم تقريبًا خبرًا عن الإخوانِ لا أساسَ له من الصحةِ ويُنسبه إلى بعضِ قياداتِ الإخوان.

أما أفضل عناصر تلك النوعية الجديدة من الصحفيين فهم الذين يذهبون للمصادرِ ثم يُعيدون صياغةَ الحواراتِ والتصريحاتِ وفْق أهوائهم على النحو الذي رأيناه سلفًا.

قبل أشهر كتبتُ عن التدبيرِ الأمريكي الجديد لمرحلةِ ما بعد الانتخابات البرلمانية ومواجهة الصعود السياسي للإخوان، وقلتُ إنَّ إحدى ركائز هذا التدبير "تسخيف" كلام الإخوان وتصرفاتهم بصرفِ الناس عنهم..

ولا أرى فيما فعلته "روزا" إلا أحد تجليات هذا التدبير الأمريكي

No comments: