Tuesday, April 17, 2007

بين الانتخـاب.. وبيعـة المقابـر

بقلم : أحمــد عـز الديـن

تشيع بعض الكلمات والمصطلحات وتتداولها الألسنة وتتناولها الأقلام، حتى ينظر إليها بعد حين على أنها الحقيقة. وربما كانت غير ذلك تماماً، ومن تلك المصطلحات مصطلح «بيعة المقابر» الذي ظهر في أعقاب تولي الأستاذ مصطفى مشهور المرشد العام للإخوان المسلمين شفاه الله وعافاه عام 1996م منصبه بعد وفاة المرشد السابق السيد محمد حامد أبوالنصر يرحمه الله.

وقصد ببيعة المقابر حسب القائلين بها أن الأستاذ مشهور بويع عند قبر الأستاذ أبوالنصر مرشداً للإخوان، وكانت البيعة ممن حضروا الجنازة، وبذلك اكتسب منصبه ومهمته، وهذا في الواقع غير صحيح، من الوجوه التالية:

1ـ لا تعرف لائحة الإخوان مصطلح البيعة، وإنما هناك انتخاب للمرشد ولمكتب الإرشاد ولمستويات أخرى تحددها اللائحة وفق قواعد معينة.

2ـ لم يحدث ولم يقل واحد ممن رددوا مقولة «بيعة المقابر» إنه قد جرت انتخابات عند قبر الأستاذ أبوالنصر ـ وبالمناسبة فإن المقبرة تضم أيضاً رفات المرشد العام الأسبق عمر التلمساني ـ يرحمه الله..

3ـ لم ينعقد مجلس الشورى المخوَّل باختيار أو ترشيح اسم المرشد في المقبرة، ولا يعقل بداهة أن يجتمع في ذلك المكان، ولم يجر أي حصر لأسماء أعضاء مجلس الشورى، من حضر منهم ومن غاب، ولم تنظر أي جهة فيما إذا كان الاجتماع قانونياً من حيث عدد الحضور أم لا، ولو صح القول بأن البيعة أو الاختيار تم في المقبرة لكان الاجتماع باطلاً إجرائياً، ولجرى الطعن عليه بسهولة.

4ـ كما أن الأمر يحتاج ـ وفق اللائحة ـ لإجراءات أخرى بعد موافقة مجلس الشورى، بالنظر إلى أن منصب المرشد العام يخص إخوان مصر وغيرهم.

مما سبق يتضح أنه يستحيل عقلاً وعملاً أن يقع اختيار المرشد العام لواحدة من أكبر الجماعات الإسلامية وأكثرها عراقة بتلك الطريقة الموصوفة.

ولا يخفى ما في مقولة «بيعة المقابر» من مدلولات سلبية، فالمقابر تلك الساحة الموحشة المقفرة التي تقشعر الأبدان عند الاقتراب منها، يجتمع فيها الخارجون على القانون بعيداً عن عيون الرقباء.. ذلك المعنى يريد البعض ـ للأسف ـ أن يلصقه بالإخوان، أما البعض الآخر، فيردده من باب التقليد أو العادة أو ما اصطلح عليه الناس.

لقد عانى الأستاذ محمد حامد أبوالنصر في أواخر أيامه من المرض، وحين بدا أن وقت الفراق قد حان، تحرَّكت آليات الإخوان، وجرى انتخاب الأستاذ مصطفى مشهور ليكون خلفاً للأستاذ أبوالنصر في حال الوفاة، وأذكر أنه بعد أن صلينا صلاة الجنازة على جثمان الأستاذ أبوالنصر، في مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة، ركبت مع المستشار المأمون الهضيبي نائب المرشد العام في سيارته في طريقنا إلى المقبرة، وسألته عن الطريقة التي سيتم بها إعلان تولي الأستاذ مصطفى مشهور المنصب ـ وليس اختيار المرشد الجديد ـ فقد كان الأمر منتهياً آنذاك فقال لي إنه يفكر في الأمر.

وبعد الفراغ من دفن جثمان الأستاذ أبوالنصر، أعلن الأستاذ الهضيبي أمام الحضور أن المرشد الجديد هو الأستاذ مصطفى مشهور، بعدها وقف الأستاذ لاشين أبو شنب من تلقاء نفسه وطلب من الحضور «مبايعة» المرشد.

والواقع أن تلك المبايعة إنما هي تحصيل حاصل من الناحية اللائحية ولا ينبني عليها قرار، ولا تعدو أن تكون نوعاً من الشحن النفسي، ومنح الحضور دفعة من الثقة في النفس، والاطمئنان إلى حال الجماعة، فقد كان الظرف آنذاك عصيباً، فقد شهد عام 1995م محاكمات عسكرية للعشرات من قيادات الإخوان، سجن على أثرها أغلبهم لمدد تراوحت بين ثلاث وخمس سنوات، كما شهد العام نفسه انتهاكات صارخة في الانتخابات البرلمانية، ولم ينجح من الإخوان سوى مرشح واحد!، أفلت بأعجوبة من الحصار، فيما استُعملت كل السبل لمنع نجاح بقية مرشحي الإخوان، كما شهد معظم الساحات التي يعمل فيها الإخوان كالنقابات المهنية والاتحادات الطلابية تضييقاً أو إغلاقاً تاماً، وها هو مرشد الإخوان يموت في هذه الظروف.. ومن هنا كانت تلك البادرة.

ولا يخفى أن عدداً كبيراً ممن حضروا الجنازة ليسوا من الإخوان، بل هم من محبيهم ومحبي مرشدهم، ناهيك عن الأعداد الغفيرة من رجال الأمن العلنيين منهم والسريين، وحتى من كان حاضراً من الإخوان، فإن أكثرهم لم يكونوا ممن يحق لهم المشاركة في الانتخاب، باعتبار أن مجلس الشورى عضويته محدودة، ولا تتسع لتلك الألوف التي شهدت الجنازة.

وعليه، فإن القول ببيعة المقابر باعتبارها أساس شرعية تولي المرشد العام لمنصبه قول غير صحيح ولا يعتد به.

وننصح من ينتظرون عند مقبرة الإخوان ليعرفوا اسم المرشد الجديد ـ بارك الله في عُمر الأستاذ مصطفى مشهور ـ أن يبحثوا عن وسيلة أخرى لمعرفة الخبر.<

No comments: