Sunday, April 1, 2007

جنرال يبحث عن حماية



إخوان أون لاين - 27/07/2003
بوش ومشرف

في نهاية شهر يونيو الماضي، توجه الرئيس الباكستاني "برويز مشرف" إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الأمريكي وعدد من السياسيين الأمريكيين، وتصور "مشرف" ومعه صانعو السياسة الخارجية الباكستانية أن الزيارة يمكن أن تنعكس إيجابيًا على صورة النظام، فالولايات المتحدة ظلت لفترة ليست بالقصيرة تعتبر نظام "مشرف" نظامًا انقلابيًا جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري أطاح برئيس الوزراء المنتخب "نواز شريف"، كما سعى "مشرف" للحصول على مكافأة واشنطن على جهوده وخدماته التي قدمها لها في أفغانستان حين أتاح لها فرصة لم تكن تحلم بها وفتح لها الأراضي والأجواء لضرب أفغانستان وتصفية نظام حكم طالبان، إضافةً إلى السعي المستمر للخروج من الحصار الذي تنسجه الهند ببطء وإحكام حول إسلام أباد.

ولكن ماذا وجد "مشرف" في واشنطن؟ لم يجد إلا ما وجد كل "أصدقاء أمريكا" من قبل: ادفع.. قدم.. تنازلْ.. ولا تسأل عن الثمن.. نحن قوم نأخذ ولا نعطي.. وأكثر من ذلك اذهب إلى بني صهيون لتنال رضاهم.. فبرضاهم تنال رضا بني الأحمر، وفي أيديهم مفاتيح البيت الأبيض وخزائن البنوك الربوية الدولية منها والأهلية.

تصريحات "مشرف" في أمريكا وبريطانيا- وغيرهما من الدول التي نشط لزيارتها مؤخرًا بشكل ملحوظ - وكلماته التي ألقاها توضح أنه فهم الرسالة الغربية التي مفادها أن عليه أن يقدم ويتنازل: يراقب نشاط الإسلاميين في بلاده وتنامي شعبيتهم بعد احتلال أفغانستان.. وأنه لن يسمح سوى لإسلام متسامح ومتفتح وعصري (بمعنى آخر إسلام أمريكاني) وسيكافح التشدد الديني في بلاده.. يقدم التنازلات بشأن كشمير.. وفوق ذلك يستعد للاعتراف بالكيان الصهيوني!.
تزامنت زيارة "مشرف" للولايات المتحدة مع زيارة نائب رئيس الوزراء الهندي "أدفاني".. ولننظر إلى الفارق بين المعاملتين:

أكد الرئيس "بوش" لـ"أدفاني" أن للولايات المتحدة مصالحَ حيوية في إقامة علاقات إستراتيجية مع الهند.

كما أكدت له "كونداليزا رايس" مستشارة الأمن القومي الأمريكي أن الولايات المتحدة تتَّخذ مزيدًا من الخطوات لضمان تحقيق التقدم في جميع القضايا التي تندرج في الأجندة الثنائية متضمنة قضايا التعاون في مجال أبحاث الفضاء المدنية والتعاون في مجالات الطاقة النووية وتشجيع التجارة التقنية المتقدمة؛ من أجل إحداث نقلة في العلاقات بين البلدين، واتفق الجانبان على تعزيز الترتيبات المؤسساتية لتبادل المعلومات والاستخبارات ذات العلاقة بما يُسمَّى بالإرهاب، وتناولت مباحثات "أدفاني" مع "ديك تشيني" نائب الرئيس الأمريكي القضايا الثنائية والإقليمية ومكافحة الإرهاب.

أما الدعم الأمريكي لـ"مشرف" فكان كلامًا في أكثره، أو يصبُّ في خدمة مصالح واشنطن، فقد أشاد "بوش" بـ"مشرف"، ووصفه بأنه "زعيم شجاع"، وأثنَى على سلوكه في "بناء باكستان حديثة، تتسم بالتسامح والرخاء"، إلا أنه استدرك قائلاً: "إن ذلك الهدف سيتطلب تحركًا نحو الديمقراطية، وخصوصًا في مجال تعزيز حقوق المرأة، وأنه سيسعى إلى العمل مع الكونجرس لتقديم حزمة مساعدات لباكستان بقيمة ثلاثة بلايين دولار على خمس سنوات لتعزيز الأمن والفرص الاقتصادية لمواطني باكستان، يستخدم نصف هذه المساعدات لشراء تجهيزات دفاعية ولأغراض الأمن".

وقد حاول "مشرف" الحصول على موافقة واشنطن على أن تسترد باكستان طائرات من طراز إف:16) كانت قد دفعت ثمنها، ولكنَّ واشنطن جمَّدت تسليمها، إلاَّ أن "بوش" شدَّد على أن هذه الطائرات لن تكون جزءًا من حزمة المساعدات.

وأعلن "بوش" عن "اتفاق إطار" للتجارة والاستثمار لمكافأة باكستان على جهودها فيما يُسمَّى بالحرب على الإرهاب، وقال: "إن هذا الاتفاق سيخلُق بنيَة رسمية لتوسيع الشراكة الاقتصادية"، وأن البلدين مصمَّمان على إلحاق الهزيمة بالإرهاب.

وفي المقابل استعرض "مشرف" ما يقوم به من أنشطة لمكافحة ما يُسمى بالإرهاب، وطالب الأمريكيين بوضع "خريطة طريق" لحل النزاع في كشمير على غرار ما تفعله أمريكا في الشرق الأوسط، (وهل تعد خريطة الطريق الفلسطينية نموذجًا يُحتذى؟) على الرغم من معارضة الهند لهذه الفكرة، وعرض خطته المؤلفة من أربع نقاط؛ والتي تقدم بمقتضاها باكستان تنازلات مهمة؛ مؤملاً الوصول عن طريقها إلى حل دائم للمشكلة، إلا أن الهند رفضت ما طرحه "مشرّف"، على اعتبار أنها لا تقبل تدخلاً أجنبيًا لتسوية الخلاف.

والصين أيضًا:

كما تزامنت زيارة "مشرف" لواشنطن مع زيارة رئيس الوزراء الهندي "أتال بيهاري فاجبايي" للصين الحليف التقليدي لباكستان، محاولاً بناء علاقة متميزة مع بكين.
وقد استطاع "فاجبايي" بالفعل أن يكسر حواجز الشك في العلاقات مع الصين، ويخطو خطوات واسعة على طريق تحقيق تقارب بين البلدين من خلال تسوية مشكلات الحدود بينهما، وزيادة حجم التبادل التجاري، كما نقل لبكين الرؤية الهندية بخصوص النزاع في كشمير، ووقَّع تسع اتفاقيات حركت المياه الراكدة في العلاقات بين البلدين.

معارضة داخلية:

وعلى الصعيد الداخلي هناك معارضة متصاعدة ضد نظام "مشرف" بسبب قوانين إعادة النظام (LFO)، كما رفضت أحزاب المعارضة- خاصةً الإسلامية- نتائج الزيارة مسبقًا، وذكّرت "مشرف" بأنه ليس رئيسًا شرعيًا للبلاد، إذ لم يتم انتخابه من البرلمان، موقف المعارضة سببه وجود اعتقاد مسبق بأن واشنطن ستطلب من "مشرف" مقابل حماية نظامه وتقديم مكافأة له- أن يضيق الخناق على العمل الإسلامي ويوسع علاقاته مع الكيان الصهيوني، وربما تجميد النشاط النووي الباكستاني.

إذَنْ فقد ذهب "برويز" إلى أمريكا بموقف ضعيف داخليًا وإقليميًا...

أولاً: معارضة تشكك في شرعية حكمه العسكري الذي يحاول أن يُضفي عليه صبغة مدنية.

واستِعار الخلاف بين الحكومة الباكستانية ومجلس العمل الموحد على خلفية قوانين إعادة النظام (LFO) التي تم تقنينها بعد وصول الحكم العسكري في 12 أكتوبر عام 1999م وهي تنقسم إلى نوعين:

أ- الاتفاقيات والمعاهدات والمراسيم والمواثيق التي أعلن عنها ما بين 12 أكتوبر 1999م-10 أكتوبر 2002م ومن بينها اتفاقيات اقتصادية ومالية وعسكرية دولية، وهذه ليس حولها خلاف ولم يطلب مجلس العمل استبدالها أو إعادة النظر فيها.
ب- مراسيم وقوانين أعلنها "مشرف" لبسط سيطرته على الحكم وتقليص دور الأحزاب وتهميشها بالقانون، هذه القوانين لا تخدم مستقبل الحكومة المدنية والنظام الديمقراطي وقيم الجمهورية وعلى رأسها:

1- الجمع بين قيادة أركان الجيش ورئاسة الدولة، وهذا استمرار للحكم العسكري وتدخل في الشأن السياسي.

2- صلاحيات رئيس الدولة- وهو نفسه قائد الجيش- في إقالة الحكومة وحل البرلمان.

3- إنشاء مجلس الأمن القومي الذي يقوده الجيش ويشارك فيه بعض السياسيين ممن لا حول لهم ولا قوة ويهدف إلى الهيمنة على الحياة السياسية وتوجيهها.

وكذلك تمكين (60) امرأة من دخول البرلمان دون المرور على صناديق الاقتراع، وهذا من شأنه أن يرجِّح كِفَّة الحزب الموالي للحكم ومن ثمَّ للعسكر، إذ أن هذه الحصَّة يتم اختيارها وتعيينها من قبل الحكم.

ويطالب مجلس العمل- وله 70 نائبًا في البرلمان- كشرط للانضمام إلى الحكومة أو عدم عرقلة أنشطتها التخلي عن النوع الثاني من القوانين؛ لأنها في رأيه تحول البلاد إلى دكتاتورية يقودها العسكر وتحول الديمقراطية إلى خدعة للعالم وتضليل للرأي العام، ولا تزال سياسة شد الحبل مستمرة بين الحكومة والمعارضة.

وتقول مصادر مطلعة: إن العقبة الرئيسة أمام توصل الحكومة ومجلس العمل إلى أرضية يتفقان عليها هو الرئيس "مشرف" نفسه، الذي لا يرغب في أن تضمَّ الحكومة عناصر من مجلس العمل الموحد؛ لأنهم إذا أصبحوا جزءًا من الحكومة فسيصوِّتون ضد قوانين (LFO).

وقد شدَّد "مشرف" من لهجته ضد أحزاب المعارضة وعلى رأسها مجلس العمل ووصف سياسته بالابتزاز، في إشارة إلى ربطه مصير "مشرف" بتطبيق النظام الإسلامي والإصرار على استقالته من قيادة الجيش، وقد رفَض "مشرف" مطالب المعارضة إلى جانب أنه وعد باتخاذ إجراء قانوني إزاءَ إعلان تطبيق الشريعة في إقليم "سرحد" الذي يُديْر حكومته الإقليمية الإسلاميون، ويفسِّرُ المراقبون الإجراء المنتظر إمَّا بحلِّ برلمان الإقليم، وإما بتحويل صلاحيات إدارة الإقليم إلى رئيس الإقليم.

ويقول مجلس العمل: إنه مستعد للتوصل إلى حلِّ مع الحكومة بشأن القوانين المتنازع عليها؛ بشرط أن توافق السلطة على تطبيق الشريعة الإسلامية في إقليمَي "سرحد" و"بلوشستان" مقابل أن يوافق مجلس العمل على إمهال "مشرف" عامًا واحدًا ليقدم استقالته من قيادة الجيش.

ويمثل هذا الشرط الجديد تغيرًا في الشروط السابقة التي وضعها مجلس العمل وهي تحديد 14 أغسطس، وهو يوم الاستقلال في باكستان، ليقدم "مشرف" استقالته، وإذا لم يفعل فإن المجلس والجماعات الدينية ستنظم اضطرابات وعصيانًا مدنيًا.

لكن المعارضة تبدو غير متفقة على موقف واحد، فقد أعلن مولانا "فضل الرحمن" - زعيم جمعية علماء إسلام وأحد كبار قادة مجلس العمل- أن المجلس مستعد لتليين مواقفه إزاء قوانين (LFO) بقيام الحكومة بالعمل بشروط المجلس الخمسة وهي: اعتبار القرآن والسنة هما المصدر الوحيد للتشريع، واعتبار القوانين الإسلامية التي وضعها مجلس الفكر الإسلامي هي القوانين التي يجب أن يعمل بها، وحظر الربا، وإعلان يوم الجمعة عطلةً رسميةً، وتغيير مناهج التعليم المتبعة في باكستان.

فيما حَدّدَت جهات أخرى في المعارضة عدةَ مطالب ذكرت أن على القيادة أن تعمل بها لوقف أيَّة مسيرات وإضرابات لإزاحة "مشرف" عن السلطة، من بينها إلغاء قوانين LFO، وإجراء انتخابات رئاسية والسماح لرئيسي الوزراء السابقين "بينازير بوتو" و"نواز شريف" بالعودة إلى ممارسة نشاطهما السياسي.

السيناريو القادم:

ومع استمرار الأزمة في باكستان منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في 12 أكتوبر الماضي واستمرار تعطل أشغال البرلمان وفشل المجلس التشريعي بغرفتيْه (النوَّاب والشيوخ) في القيام بنشاطه تتوزع السيناريوهات بين:

أولاً: تغيير الحكومة بحيث تترأَّسها شخصيَّة معارضة، وتوزع حقائب وزارية مهمة على أعضاء في المعارضة لحملهم على وقف مطالبتهم بتقديم "مشرف" استقالته من الجيش والسماح له بإكمال مدته.

ب- تحويل صلاحيات إدارة إقليم "سرحد" مباشرة إلى الحاكم العسكري في الإقليم وتعطيل برلمان الإقليم وإنشاء إدارة مؤقتة.

ج- انقلاب عسكري يدبِّره عسكريون غاضبون على رفض "مشرف" التعاون مع المعارضة ورفضه تقديم استقالته من منصبه في الجيش، شأن ما صنعه غيره.
ثانيًا: تقارب هندي- صيني أوجد اهتزازًا في العلاقة مع حليف إسلام أباد القوي في آسيا، وعلى الرغم من أن باكستان استبعدت أن يؤثر التقارب الصيني- الهندي على علاقاتها مع الصين، إلا أن تطمينات باكستان هذه محلّ شكّ كبيْر، وسوف تتضح أبعاد التقارب الهندي- الصيني مع أول أزمة في العلاقات بين الهند وباكستان.

ثالثًا: وحتى واشنطن الحليف القديم لباكستان فإنها تعزز علاقاتها مع الهند وتعتبرها علاقات إستراتيجية تتطور في مجالات متعددة لم تحظَ دولة أخرى بمثلها باستثناء الكيان الصهيوني.
وتمثل العلاقة الباكستانية الهندية الأمريكية مثلثًا تقع في مركزه قضية كشمير، هذا من وجهة النظر الباكستانية على الأقل، فالهند تتهم إسلام أباد بدعم الانتفاضة والمقاومة المسلحة في كشمير، وكانت هذا القضية ولا تزال سببًا لاندلاع الحروب بين الجارتين، ولكن لماذا فشلت الإدارة الأمريكية في القيام بوساطة لإنقاذ منطقة جنوب آسيا من مخاطر نووية تمتلك قدراتها كلٌّ من باكستان والهند؟ ولماذا لم تستخدم نفوذها الدولي لحمل البلدين- وخاصةً الهند- على الموافقة على الوساطة؟
والجواب أن الاعتبارات الاقتصادية والإستراتيجية تلعب دورها في الخطاب الاسترضائي الذي اعتمدته الإدارة الأمريكية إزاء الهند والابتعاد عن منطق الضغوط الذي تمارسه أمريكا في العالم.

أمريكا باتت تلهث وراء السوق الهندية الضخمة والموارد الاقتصادية التي تجنيها منها، خاصةً أن الهند مرشحة لتكون إحدى الدول التكنولوجية الكبرى في العالم خلال السنين القادمة.

زِدْ على ذلك تصورًا مفاده أن الهند هي الحليف الوحيد لأمريكا في المنطقة الذي باستطاعته مواجهة المارد الصيني ومزاحمته جغرافيًا وبشريًا واقتصاديًا باقتصادها المتطور وجغرافيتها الضخمة وتعدادها البشري الكبير وترسانتها العسكرية المتنامية، واستعدادها للتعاون مع أمريكا في هذا الخصوص، بخلاف باكستان التي تجمعها علاقات تاريخية وإستراتيجية وحيوية مع الصين.

وإذا كانت أمريكا في الماضي قد أعطت الأولوية لباكستان فالأولوية اليوم للهند، ولا ترغب أمريكا في إسخاط الهند بقضية كشمير باعتبار أن الهند سوق تجاري ضخم لا يجب أن تحرم منها، والذين يتوقعون توسط أمريكا بين البلدين في قضية كشمير يجانبهم الصواب، وحسب قول أحد الخبراء: إذا كانت باكستان ترغب في توسط أمريكا فلتنتظر خمسين عامًا!
ولهذا الاعتبار الاقتصادي وما مارستْه لجان اللوبي الهندية الأمريكية فإن الإدارة الأمريكية لن تمارس الضغوط والتهديدات، وسيبقَى الخطاب الاسترضائي للهند سيِّدَ الموقف.

وإذا كان لا بد من ممارسة ضغط ما على طرف ما.. فليكن على باكستان!
صحيح أن أمريكا ليست مستعدة للتفريط في حليفتها القديمة باكستان، لكن الخريطة السياسية الجديدة التي ألغت خطر الجيش الأحمر بعد تفكك الاتحاد السوفييتي الذي ساهمت فيه باكستان بشكل كبير عبر الجهاد الأفغاني، جعل باكستان على غير الأهمية التي كانت تُعلَّق عليها بالأمس رغم أن أهميتها بالنسبة إلى أمريكا قد عادت مجددًا بعد حوادث 11 سبتمبر، واعتبرتها أمريكا الطرف الرئيس الذي يمكن الاعتماد عليه في حربها ضد عناصر الطالبان والقاعدة وغلق حدودها أمامهم.

أما عن سياسة باكستان تجاه المنظمات الجهادية الكشميرية فيقول رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال "حميد جل": إن "باكستان لا تملك سياسة واضحة في التعاطي مع المنظمات الجهادية العاملة في شطري كشمير"، وعقب الضغوط التي مارستها أمريكا عليها، وخاصةً بعد 11 سبتمبر اضطرت إلى حظر أبرز المنظمات الجهادية في الشطر الباكستاني في 12 يناير 2002م، وهي جماعتا (لشكر طيبة) و(جيش محمد).

وللمزيد من الضغط على باكستان تتهم الهند ودول غربية باكستان بأنها لم تقطع (الحبل السري) مع المنظمات الجهادية.

ورغم القوة التي تستمدها باكستان من المقاومة الكشميرية واستعمالها ورقة ضغط لإجبار الهند على تغيير سياستها في كشمير، إلا أنَّه من المتوقع أن تُضحِّي باكستان ببعض المنظمات إرضاءً للهند وأمريكا وتسهيلاً لاستمرار المفاوضات والاكتفاء في دعم الكفاح الكشميري "بالوسائل الدبلوماسية والسياسية والأخلاقية"!.
في هذا الإطار جاء الإعلان الباكستاني عن إمكان إعادة النظر في علاقات إسلام أباد مع الكيان الصهيوني.

ويعلم "مشرف" ما يمثله الحديث عن علاقات مع الكيان الصهيوني من كسر للمحرمات السياسية، لذا فقد علق كلامه بأن ذلك يتم لمصلحة الفلسطينيين ووفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية.

وعلى شاكلة غيره الذين قالوا: لن نكون "فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين" برر "مشرف" توجهه ذلك بأنه يهدف إلى دعم عملية التسوية في الشرق الأوسط.. وهو كلام صحيح .. فقط وفق المنظور الصهيوني الذي يطالب بأن يأخذ كل شيء، ولا يُعطي شيئًا، يريد أن يأخذ التنازلات.. والاعترافات.. والقبول، لا من الفلسطينيين فحسب، بل من كل الدول العربية والإسلامية ثم لا يعطي شيئًا، وقد أقر الكنيست الصهيوني مؤخرًا قرارًا بعدم اعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة أرضًا محتلة، فإذا لم تكن أرضًا محتلة ينبغي إعادتها للفلسطينيين ففيم التفاوض إذن؟
ولزيادة التبرير الاستسلامي ترددت أقوال من مثل "إن بعض الدول العربية تقيم علاقات دبلوماسية وتجارية مع "إسرائيل" كما أن الفلسطينيين أنفسهم يتفاوضون مع الإسرائيليين، وكأن المستسلم المتخاذل أصبح القدوة التي ينبغي أن يقتدي بها الآخرون.

سلّم قبل أن تستسلم:

ولفهم طريقة تفكير الجنرال "مشرف" نعود بالذاكرة إلى بداية الحرب الأمريكية على أفغانستان، فقد سلم الجنرال "مشرف" لواشنطن بكل ما تريد وسمح لها باختراق الأجواء واحتلال القواعد ومزق الوحدة الوطنية لشعب باكستان والأواصر التاريخية مع أفغانستان وبرر ذلك بالقول إنه فعل ذلك من أجل حماية المشروع النووي الباكستاني، أي أن القدرات النووية الباكستانية- شأنها شأن أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل تدميرها- أصبحت في عهدة الساسة الفاشلين عبئًا على الدولة بدل أن تكون ورقة ضغط قوية في يدهم، وللمفارقة نقارن ذلك بموقف كوريا الشمالية التي استطاعت تدجين الحصان الأمريكي الجامح.

واليوم يقال: إن القيادة الباكستانية خشيت أن يأتي عليها الدور بعد العراق، ولذا فهي تحاول استرضاء واشنطن؛ أي تقدم لها ما تريد حتى لو تضمن ذلك كسر المحرمات والاعتراف بالكيان الصهيوني لمجرد التهويش وإطلاق التهديدات، وقد أشار رئيس وزراء باكستان السابق "نواز شريف" إلى أنه يخشى أن تكون باكستان هدف أمريكا القادم لا بسبب الأسلحة والصواريخ والبرنامج النووي بل بسبب الهند ومزاعمها بأن باكستان تعرض أمنها للخطر.
وذكر "نواز شريف" أن الإدارة الأمريكية حذفت موقع باكستان في خريطتها الجديدة لعام 2007م أي أنها تخطط لإزالة دولة باكستان وتحويلها إلى دويلات جديدة منها بلوشستان وبختونستان والسند وغيرها.

الجنرال "مشرف" يسبح ضد التيار، وبدلاً من الاقتراب من القوى السياسية المعارضة- خاصةً القوى الإسلامية الصاعدة- يقدم الجنرال "مشرف" على ارتكاب المحرمات السياسية، وتخطي الحدود، فيما يخص القضية الكشميرية، أو الاعتراف بالكيان الصهيوني؛ طمعًا في الحماية الأمريكية.. ونيل رضا واشنطن.. ولكن متى أغنى الرضا الأمريكي عن صاحبه شيئًا؟!

* مدير تحرير مجلة المجتمع

(نُشِر هذا المقال بالتنسيق مع المجلة)

No comments: